ثرثرة 16: البدايات

DSC_0694

أتساءل، ما الذي يجعلني أشعر بالتثاقل كلما خطر لي أن أكتب تدوينة جديدة؟ أعلم أن في داخلي كمًا من الأحاديث التي قد تخرج مع بعض الحث، وإن لم أعرف أيها المنشود في بداية كل مرة، وأعلم أيضًا أن لدي الإمكانية والأدوات الكافية للكتابة، ويمكنني تخصيص وقت لها، كما أفعل الآن، لكن، في كل مرة تراودني هذه الفكرة ينتهي بي المطاف بالانشغال بفعل شيء آخر.

الفقرة السابقة كانت أحد أنواع الحيل التي أمارسها عادة إذا لم أستطع الكتابة، أبدأ في كتابة أي شيء، حتى لو كان التعبير عن شعوري بصعوبة الكتابة، أو صعوبة كتابتي عن هذا الشيء الذي أنوي الحديث عنه، أتحدث عن الطقس، عن أحداث صغيرة في يومي، عن إعجابي بالقلم الذي استخدمه أو انزعاجي من جودة أوراق ذاك الدفتر، أي شيء، المهم أن أكسر حاجز البداية، وبعدها غالبًا أجد نفسي أخذت بالكتابة بسلاسة أكبر.

لطالما شكلت لي البدايات عائقًا كبيرًا، ليس في الكتابة فقط، وإنما في الكثير في المجالات. لا أحب بدايات الأشياء، وآخذ وقتًا ليس بالقصير لأتكيف مع الوضع الجديد. مع الوقت تعلمت عدة مهارات قد تفيدني في كسر هذا الحاجز، بداية من أن أسأل نفسي: لماذا لا أريد أن أبدأ؟ ما الشيء الذي يحول بيني وبين الإقدام على هذه الخطوة الجديدة؟ وهذا طبعًا يتطلب معرفة جيدة بالنفس، فلا يجدي استمرار المرء بالقول: أنا كسول، أنا ضعيف الإرادة، أنا لا أجيد فعل الأشياء.

ليس الأمر كذلك غالبًا، بل هو أعمق من هذه العبارات السطحية التي نرددها على أنفسنا، ولطالما سمعناها ممن حولنا. قد لا يوافق الأمر الجديد طباعي أو ميولي أو قدراتي، فلا أكون حقًا أرغب في فعل هذا الشيء، بل لمجرد إرضاء الآخرين، أو مجاراة طموحاتهم وتطلعاتهم، أو إشباع صورة في داخلي عن نفسي أخاف أن تهتز. قد أكون خائفة لأن هذا الأمر الجديد يتطلب مني فعل أمور لم أفعلها سابقًا وأخشى ألا أقوم بها بشكل صحيح، ربما لا زالت تنقصني خطوات من الاستعداد والتعلم، خطوات من شأنها أن تجعل صورة الأمر بالنسبة لي أقل غموضًا، ويصبح أداؤها أكثر سهولة. وربما يكون الأمر أيسر، وكل ما أحتاجه هي بعض المساعدة والدعم والتشجيع، أو اختيار الوقت والمكان الأفضل للقيام بالأمر، أو تغيير شكله ليناسبني أكثر.

لكل مشكلة مما سبق حل يناسبها بحسب قدرها، وقد يكون بمجرد كسر حاجز البدايات كما أفعل الآن، دون النظر والانشغال بما كتبته سابقًا، بل فقط الاسترسال فيما أفعل. فأنا أعلم أنني أحب الكتابة، وأريد الكتابة، لنفسي قبل أي أحد، وأحب من فترة لأخرى أن أكتب شيئًا على الملأ أي ليس بيني وبين نفسي فقط؛ لأن هذا له أثر آخر، حتى لو لم يقرأ في النهاية أحد ما أكتب. وأحب أن أٌبقي النشر مستمرًا في المدونة، ولو على فترات متباعدة. وأن أكتب بهذه الطريقة لأنشر حديثي دون سابق ترتيب وتفكير كبير، أن أفسح المجال لعفويتي كما أخبرتكم سابقًا. وأريد أن أكتب لأنني أحب مشاركة هذه الأحاديث مع بعض الأصدقاء، وهم لا يبخلون عليّ بالدعم والتشجيع.

~~~

من الحيل الأخرى التي أمارسها، هي توقيت بداية العام الجديد، لا أحب بداية العام، ولا أحب شهر كانون الثاني / يناير، في منتصف الشتاء والشمس الغائبة والبرد القارص، لطالما كان شهرًا طويلًا وثقيلًا على نفسي، لذلك لا يبدو بالنسبة لي توقيتًا مناسبًا لبدء عام جديد وخطط وأهداف جديدة. من أجل هذا قررت في نهاية العام الماضي 2020، أنني لن أبدأ عامي الجديد (من ناحية الخطط والتنظيم) بالشهر الأول منه، بل سأنتظر حتى شباط، ذاك الشهر الجميل القصير الذي أحب. وسأخصص الشهر الأول لعمل الجرد السنوي المعتاد وإنهاء أية أمور عالقة من العام الماضي، بتروٍ وعلى مهل، وبما أن هذه الأنشطة محببة لنفسي فهي تضفي جوًا ألطف على الأيام.

طبعًا مع مرور الوقت وكل هذه الاحتفالات والأحاديث حولي أكون قد أدركت أكثر أننا في عام جديد، لكنني آخذ وقتي في الانتقال إليه. وأعتقد أن هذا الفعل كانت له أثاره الطيبة التي لامستها، وسأعيد نفس الفعل لهذا العام أيضًا :). لذلك الآن ربما يكون الكثيرون مشغولين بإحصاء إنجازات ومغامرات عامهم، وأنا لا زلت أجمع صور أيامه على مهل.

~~~

بذكر البدايات، تذكر الأشياء الجديدة، والأماكن الجديدة، وحتى الأشخاص. وأنا لست من محبي الجديد عمومًا، نعم للجديد بريق خاص مميز، تهفو إليه النفس، يجذبني أحيانًا أو يعجبني، لكنني لا أشعر بالألفة إلا بعد مضي وقت، ومع مزيد خلطة أو استخدام، وبعد تكشف المزايا الحميدة والخصال المحببة. ومع الزمن تزداد الحميمة والدفء، حتى لو خف وهج ذاك الجديد وأصبح أعتق، حتى لو ظهرت عيوبه الخفية، واختفت شرارة البدايات، فإن كان يستحق، فذاك الإعجاب سيصبح حبًا وذكريات.

أحب الوجه الأيمن لصفحات الدفاتر، تلك الوجوه (في الكتابة العربية) عادة ما تمثل الجانب الخلفي للصفحات، أي أن الصفحة مكتوب عليها أصلًا. أشعر بالحميمة والقرب منها، عكس تلك الوجوه اليسرى، المشرعة أمامي ناصعة خالية، تذكرني برهبة البدايات والأماكن الجديدة.

أحيانًا تأتي عليّ -وعلى الكثيرين- لحظات أتحدث بها مع الأِشياء، ومن الأمور التي لاحظتها على نفسي، أنه إن كان شيئًا جديدًا، فربما قلت له: أهلًا وسهلًا في غرفتي، أو بين أغراضي، أتمنى أن نقضي معًا وقتًا طيبًا، أو نصنع ذكريات جميلة 😊 وأجدني أحيانًا كتبت شيئًا مشابهًا في الصفحة الأولى لدفتر جديد، مرحبة به بين مجموعة الدفاتر. طبعًا لا أفعل هذه الأمور من باب أنها طقوس أو ما شابه، هي فقط تأتي كلحظات عفوية. فأهلًا بالأشياء الجديدة، وشكرًا لكل الأشياء التي انتهت رحلتي معها في وقت ما، وأرجو أن ما استخدمه الآن قد لقي مني كل خير😁

وفي نهاية هذه التدوينة، أقول: شكرًا لكل الأصدقاء الذين يشرعون لنا في أرواحهم مساحات من الأمان، في تلك المساحات لا يلزم أن يعطوننا أكثر من أذن صاغية وقلب مهتم. شكرًا لأن كثيرًا من القوة والراحة والوضوح فينا تشكلت ونمت بفضل إنصاتهم ودعمهم.

حفظ الله أحبتكم💕

21034523_883565058463585_508353875890808592_n

7 أفكار على ”ثرثرة 16: البدايات

  1. ما أجمل طريقتك في التعبير والوصف… كأنك تصفين مشاعرنا وخلداتنا..
    كم أحببت مدونتك هذه، كم أحببتها.. الحمد لله الذي رزقني نعمة لُقياكِ ومعرفتك.. ❤️

    Liked by 1 person

  2. تنبيه: تخلي! – نواريات

أضف تعليق