ثرثرة 15: خربشات

163e68cf-1e64-4941-a0b2-5bb16de5b869

السماء ملبدة بالغيوم منذ يومين، تتسلل خلالها أشعة الشمس أحيانًا على استحياء، تضاء الأنوار داخل المباني منذ الصباح، وتوقد المدافئ طردًا لبرد كانون، تصحبها في هذه المهمة الملابس التي صارت تثقل وعدد طبقاتها يزيد. وسط هذه الأجواء، عصر يوم خميس هادئ، وبمزاج طاب بعد أسبوع ثقيل، أفكر: لماذا لا أكتب تدوينة؟ :)

ليست هناك أي أفكار أو مواضيع حاضرة في ذهني لأدون عنها، لكنني سأكتب، وسأنشر هذه التدوينة، على أي حال تخرج به، مترابطة كانت أم متفرقة، وبأي طول تكون. من الجيد أنني أوجدت تصنيف “ثرثرة” في هذه المدونة ليحتوي أي بعثرات لا يضمها موضوع. اشتقت للتدوين وأصدقاء التدوين، للحكايات التي تُسرد هنا بطريقة مختلفة، لمشاعر التضامن والتعاطف والمشاركة.

رغم ابتعادي عن التدوين، لكنني لم أتوقف عن الكتابة، بل ربما هذه أكثر فترة أكتب بها في حياتي، في بعض الأوقات تصحبني الكتابة بشكل يومي، وأحيانًا أكثر من مرة خلال اليوم، الكتابة في دفاتري، في ملاحظات الهاتف، أو هنا على الحاسوب. وإن لم أكتب فأتكلم، أتكلم كثيرًا وأعبر وأبوح. أبكي كثيرًا أيضًا، لدوافع متنوعة وفي أماكن مختلفة، وبأنواع من الدموع. وليس ذاك بالشيء السيء، لكن قلبي وجد الفرصة أخيرًا ليخرج كل الحكايا الحبسية والمشاعر المدفونة والدموع المكتومة.

~~~

من العادات والهوايات الملازمة لي والتي أحبها كثيرًا، الخربشة. أيام المدرسة كانت دفاتري أنيقة مرتبة، فلا أحب الخربشة على الكتب أو المواد الدراسية، لكن في حال تصفحت هذه الدفاتر من الخلف ستجد صفحاتها الأخيرة مليئة بالخربشات الفريدة، وبعد ذلك تم استحداث دفتر خاص للخربشة، يصحبني في أيامي، وكذا الحال في الجامعة، خاصة إذا ما كانت الصفحات التي أكتب عليها المحاضرات هي عبارة عن مسودات تحتاج النقل إلى دفتر آخر. وللآن لا زلت على هذه الحال، لا تعلم هل هذا الدفتر على المكتب هل هو دفتر للمهام والأعمال أم مساحة حرة للتعبير؟

غير أن الأمر لم يعد يقتصر على خطي فقط، فلخربشات الأطفال نصيب من هذه الصفحات، أغربها تلك التي تتوسط صفحة ما وتترك باقي الصفحة خالية! فأستخدم الصفحة كما هي متحايدة ذاك المكان الذي تركوا بصمتهم فيه. لا يمكنني الغضب منهم لهذا الأمر فالكثير من خربشاتهم عبارة عن زهور وقلوب وعبارات حب لعمتهم. ولا يقتصر الأمر على الصغار فقط، فأجد إبداعات إخوتي وهم يجربون خطوطهم باستعمال الأقلام المختلفة، حسنًا، أعتقد أن الأمر متوارث في العائلة.

أما ماهية خربشاتي، فغالبًا تكون عبارات أحبها وأكررها، أو مقاطع من خواطر وأشعار، أو ما أدندنه بصوتي. أكرر كتابة اسمي كثيرًا، بالعربية والإنجليزية، وبألقابي المختلفة، أرسم الأزهار الصغيرة، وأوراق الأشجار، الكثير منها، أرسم كذلك الأشكال الهندسية تتصدرها المربعات والمكعبات، وبعض الزخارف، أرسم أشكالًا لا معنىً لها سوى أنها مجموعة أشياء بدأت تجتمع معًا وخرجت بهذه الصورة، وأحيانًا أضع عينين وفم لأي من تلك الأشكال، فنحصل على صديق جديد :) لا أحتفظ عادة بتلك الخربشات، فلا أريد أن أعود للاحتفاظ بكل شيء بدعوى أن له ذكرى. لكن أحيانًا إذا أعجبتني صفحة ما كثيرًا قد أفعل.

في الفترة الأخيرة عدت لممارسة شيء كنت أفعله سابقًا وهو الخربشة في تطبيقات الملاحظات التي تتيح خاصية الرسم في الهواتف، كنا نفعل ذلك كثيرًا أنا وصديقاتي، ونرسل لبعضنا تعابير المحبة والأشواق بهذه الطريقة (وبسواها طبعًا)، الأمر ممتع بوجود عدد كبير من الألوان، والأقلام والفراشي المختلفة، وهو مضحك لصعوبة الكتابة والرسم باستخدام الأصبع، فتخرج المقاسات غريبة، لكنه طبعًا لا يعادل متعة الخربشة باليد.

~~~

لا أدري كيف انتهى بي المطاف للكتابة عن خربشاتي، لكنني أعد هذا شيئًا جيدًا، والأفضل منه أنني تركت لنفسي حرية الكتابة دون قرار العودة ومسح كل الموضوع، رغم وجود أفكار صغيرة من هذا النوع تنشب أظفارها في دماغي. في الحقيقة أحاول أن أتعلم وأعتاد العفوية أكثر، العفوية، تلك كلمة لا تشبهني كثيرًا، الحمدلله لست متكلفة أو متصنعة، لكن غالب أفعالي وأقوالي تمر على عدة “فلاتر” مراجعة قبل خروجها، والمزيد منها للتقييم بعدها. وهذا الأمر وإن كان به ما به من فوائد التروي والتعقل وعدم العجلة، لكنه مرهق أيضًا. لا أقول إنني سأتخلى عن أي من هذه الميزات، لكنني أريد أكون عفوية أكثر، خصيصًا في تلك المساحات الآمنة مع الأشخاص المقربين.

من أكثر الأوقات التي أستطيع أن أكون بها بعفويتي هي بصحبة الأطفال، ذوي الأرواح الطاهرة على الفطرة، أولئك الأطفال يرون عمتهم “الشريرة الطيبة” بأحوالها المختلفة التي قد يندر أن يراها أحد آخر، أحب أن أقضي الوقت برفقتهم، وأسأل الله أن يحفظ قلوبهم ويجعلها كما يحب.

أدرك أن “نوار” التي أعرف تستحق ذلك الظهور، حتى وإن كان في بعض مواقفه غريبًا وغير معتادًا، حتى لو لم تقبل منه بعض التصرفات، لكنه في مجمله سيكون شيئًا جميلًا، ويخلق أواصر جديدة من المودة والتفاعل. أنا أحب قضاء الوقت مع نفسي التي أعرفها، فلماذا قد لا يحبها غيري؟ نعم الأمر ليس سهلًا، ومن المتوقع حدوث الكثير من الأخطاء والخيبات، لكن سأفعل ذلك لأنني أستحق ذلك، ولعل هذه التدوينة هي إحدى هذه الخطوات.

بدأت هذه التدوينة عصرًا، وها أنا أنهيها ليلًا، فقد تخلل اليوم بعض الفقرات العائلية المحببة مع نهاية الأسبوع، لهوت كثيرًا، وضحكت أكثر، كنت أحتاج هذا بشدة؛ فقد كان هذا الأسبوع مليئًا بالمهام والأعمال، والتعب بأشكاله، وبالأخطاء والمفاجآت كذلك. وطبعًا حفته رحمة الله وكرمه ولطفه، واحتشدت به المواقف الدافئة بصحبة الأصدقاء، والأطعمة اللذيذة، والسهرات المنفردة. ممتنة جدًا لكل من أدخل السرور والضحكة على قلبي.

نهاية أسبوع سعيدة للجميع🍃

ninastajner____utm_source=ig_share_sheet&igshid=1w64thv9infwj___

 

 

5 أفكار على ”ثرثرة 15: خربشات

أضف تعليق