مناجاة!

السطور التالية هي سطور من دفتري الخاص، كحال تدوينة “طبطبة” السابقة، لكنها هذه المرة ليست رسالة كتبتها لنفسي، بل أخرى توجهت بها إليه سبحانه وتعالى. ترددت كثيرًا قبل نشر هذه التدوينة لخصوصيتها، لكنني تذكرت كم أنتفع عندما أقرأ مثيلاتها عند الآخرين وأشكر لهم نشرها، ولذلك ربما تكون كلماتي هذه تصف حال غيري ممن لا يعلم كيف يعبر عنها، أو تعيد مشتاقًا، أو ترقق قلبًا. وهي كما سابقتها منقولة هنا كما هي من دفتري دون تعديلات.

StockSnap_83E7QOO8AN

يارب، إن الحياة في معيتك وقربك مريحة مطمئنة، أكون بها قوية جدًا، أما الحياة بعيدًا عنك موحشة مخيفة. وإني يا الله أريد أن تكون حياتي في معيتك، ليس للحظة أو أيام فقط وإنما يكون هذا حالها الدائم وعكسه الاستثناء. وإني يا الله سأحاول قدر ما أعلم وأستطيع، لكن لن يحدث أيٌّ من هذا إن لم يكن بمشيئتك وفضلك. يارب ربما كنت أطلب الكثير، لكنه يا الله أهم عندي من كل شيء، فمن كان يحيا بقربك ومعيتك فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، من تغمدته بلطفك ومغفرتك ومحبتك فلن يوقفه شيء من أمور هذه الدنيا الزائلة. يارب أنت ملك كل شيء، والقادر على كل شيء، لن أطرق سوى بابك، فبيدك كل الأمور، وبرحمتك وحكمتك تغلق أبواب الحياة وتغلق. كن معي يا الله فليس لي عون سواك، وعونك هذا أعظم من كل عون، وحسبي به عونًا.

دلني يا الله كيف الطريق لتحبني؟ كيف أحظى بشرف معيتك دومًا؟ كيف أصحو وأنام وأمارس حياتي وأنا أستمد قوتي منك، وأتوكل في جميع أموري عليك؟ كيف يمكن أن يلفني أمان من لدنك في كل مرة أخاف بها؟ كيف أهرع لك ولعبادتك إذا ما همني أمر؟ كيف أتخذ قراراتي وأنا أدرك أنك ستختار لي الخير؟ كيف أعطي الحب والتقدير لأنني أشعر بحبك؟ كيف لا أقسو أو أظلم لأني أعطي الأمور حقها كما شرعتها أنت؟ كيف أمضي في أي طريق ونورك يدلني؟ كيف لا أقلق ولا أخاف لعلمي أنه لن يحدث إلا ما كتبته لي؟ كيف لا أملّ من حياتي لأنك خلقتني من أجل غاية تعرفها؟ كيف أنهض إذا ما سقطت؟ وكيف أتوب إذا ما زللت؟ وكيف أعود لك إذا ما ابتعدت؟ (يارب لا تبعدني عنك)، دلني كيف أفعل كل هذا يا الله؟

أنا لا أعلم الكثير، أنا فقط أعلم أنني أحبك يا إلهي، أحبك لأنك ربي، وحمدًا لك أنك ربي، أحبك لأنك لم تتركني يومًا، لم تبعدني عنك رغم غياباتي الكثيرة عنك، أحبك لأنك تعطيني فرصًا مستمرة لأعود، لأني أعلم أنك تغفر ذنوبي، لأنك تجنبني الكثير الكثير مما علمت وما لا أعلم، أحبك لأني أرى حفظك لي وأهلي وأحبتي، لأنك تلطف بنا كثيرًا، لأنك تلهمني لشكرك وحمدك، لأنك تهديني إذا ما ضللت، وتأويني إذا ما أصبحت وحدي، لأنني ببساطة يمكنني الرجوع إليك في أي وقت وأي مكان، ولا يتطلب مني ذلك سوى قلب صادق.

ما أعظمك يا إلهي! ما أحلمك! ما أكرمك! وما أجهلني! ما أضعفني! ما أظلمني لنفسي! سامحني يا الله لكل مرة يتعلق بها هذا القلب بسواك، لكل مرة أتعلق بها بالأشياء بلا وعي، لكل مرة أجعلها سندًا ومأمنًا وركيزة تقوم عليها حياتي، سامحني لأني لا أتعلم الدرس ولا أفهم أن الأمان لا يكون إلا بك، وأن الإخلاص التام لا يكون إلا لك، لأنني لا أعي أن كل شيء زائل، وأن الحياة فانية، وأن لا باقٍ سوى وجهك الكريم. سامحني واغفر لي، ضعيفة أنا، ضعيفة.

والحمد والشكر لك، لكل مرة تنجيني بها من شر نفسي، مما أفعله بها، من الأماكن التي أدع قلبي يتعلق بها، لكل مرة ترجعني بها لك، لك وحدك، لكل مرة تذكرني أن كل شيء أتعلق به هو من خلقك، وبأمرك، وما أغفلني حين أوجه قلبي له عوض أن أتوجه به إليك.

ومهما فعلت سأبقى أرجو رحمتك ومغفرتك وعفوك، فأنت يارب تحب التوابين ولا تحب القانطين، أعود لك ليس لمجرد رغبتي العارمة بالرجوع، بل أيضًا لأنك منعتنا من اليأس من رحمتك، يا إلهي ما أعظمك! ما أرحمك! تعلم ضعفنا وميلنا لليأس فلا تتركنا لأهوائنا القاصرة، بل وتذمنا إذا ما فعلنا ذلك. سبحانك ربي ما أحلمك علينا، وما أجهلنا بك! اعفُ عني واغفر لي وارحمني. والحمد والشكر لك حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه.