طبطبة!

كنت اليوم أقلبُ في أحد دفاتري، فوجدت بضعة صفحات كتبتها، وهي بمثابة الرسالة الطويلة إلى نفسي، رسالة جاءت مطبطبة مواسية نتيجة لما كنت أمر به في تلك الأوقات. ثم رأيت أنها من الممكن أن تكون مادة لتدوينة قادمة، وها أنا الآن أنقلها لكم، حذفتُ بعض الفقرات الأولى منها، لكن كل الباقي أدونه هنا كما هو، دون إضافة أو تغيير. في الحقيقة ترددت في فعل هذه الخطوة، فهي المرة الأولى التي سأخرج بها شيئًا بهذه الخصوصية إلى هذه الفضاء، لكن من قراءتي للآخرين أعلم أحيانًا كيف أن كلماتهم قد تخاطبنا أحيانًا، ولعل كلماتي هذه تفعل ذلك.

24

[..لكن الآن وقد بتِ تدركين أكثر مكمن المشكلة، ولو دون وضوح كامل، صار لزامًا أن ترفقي بنفسكِ أكثر، أن تعطيها أكثر. وكما أقول دومًا: كل شيء يحدث في وقته المناسب، وأنا سعيدة أنه حصل الآن، أنكِ بت تدركين هذه المعاني في هذه الأوقات، وما مضى قد مضى، وقد مضى بأحسن حال والحمدلله.

اعلمي أنني لا أريدكِ أن تكوني الأفضل أو الأجمل مطلقًا، لا أريدكِ أن تعلمي كل شيء، فلا تشعري بالنقص إن لم تكن لديك تلك المعلومة، إن جهلت باقي الطريق، إن حاولتِ وحاولتِ وتكرر سقوطك، كل هذا طبيعي، كل هذا يحدث في حياة البشر. لا تخجلي لأن الآخرين تقدموا عليكِ في بعض المواضع، فأنتِ كذلك تتقدمين في أخرى، لا تخجلي لأن من كانوا يعودون إليكِ يومًا باتوا أكثر تمكنًا منكِ، فهم لا زالوا يعودون إليكِ في مواطن أخرى. لا تخجلي من حقيقتكِ، من نفسكِ، من هويتكِ، مما تعلمته، من هواياتك واهتماماتك، لا تخجلي من إنجازاتك بدعوى أنها لا تعتبر شيئًا في ميزان المجتمع، فهي عند الله –راجية-تساوي الكثير. لا تخجلي لأنكِ تحاولين، لأنكِ لا زلتِ لا تعلمين الكثير من الأشياء، المهم أنكِ لا زلتِ تحاولين، وتسعين، ولا زلتِ على الطريق، لم تستسلمي، ربما تركتِ دربًا لكنكِ تعودين لتسلكي آخر. لا أقول أنكِ لستِ مخطئة، لكن الأخطاء تحدث، ومنها نتعلم، ومنها أيضًا نُعلم الآخرين. أنتِ جميلة كما أنتِ، وأنا أحبكِ كما أنتِ.

لا تحسبي أن الله يترككِ، الله كبير عظيم حليم، غفر لمن قتل تسع وتسعين نفسًا، غفر لمن ارتكبوا الكبائر والمعاصي، لمن عاشوًا سنينًا طوال بعيدًا عنه، ثم ردّهم إليه وقبل توبتهم وعفا عنهم. لا تحسبي أن الله لن يشملك برحمته لبعض سوء تدبير وتقدير منكِ، أنه لن يتولى أمركِ لأنكِ فعلتِ بعضًا مما لا يرضيه، فأيًا مما كنتِ فعلتِ، رحمته تبقى أوسع ومغفرته أعم، وعفوه أكبر. صدقيني سيتقبلكِ أيًا كان حالكِ، ما دمتِ مؤمنة به لا شريك له، ما دمتِ تخافين غضبه وترجين محبته. كيف لك أن تظني أن من رعاكِ قبل أن تكوني سيتركك الآن؟ ربي الله جل في علاه، ليس كأي كان، ليس بشرًا –حاشاه-ليعاملكِ كما يفعلون، لينظر لكِ بطريقتهم، ليعاملكِ بسلوكياتهم ونزواتهم. ومهما طال العهد وطال وطال، ستبقين في معيته ورحمته، وما دمتِ في معية الله فماذا يقلقكِ بعد الآن؟

أرجوكِ، مهما كان أو سيكون، لا تفقدي ثقتكِ بالله العظيم، لا تبرحي بابه، لا تكفي عن دعاءه ومناجاته، وهل العون إلا منه؟ وهل القوة إلا منه؟ وهل كل جميل إلا من لدنه؟ وهل ما يصيبكِ إلا بتقديره وتدبيره؟ لا تخافي، لا تجزعي، لا تهلعي، الله لن يتركك، هو معكِ أينما كنتِ، هو أقرب لكِ من حبل الوريد، هو وحده من سيعطيك خيرًا أو يمنع عنكِ شرًا.

أعلم أن الحياة ستعود لتمضي، بكل جميلها وصعبها، أعلم أن كلماتي هذه لن تبقى في ذهنكِ طويلًا، أعلم أن هناك الكثير لتواجهيه، ربما سيكون صعبًا أن تفعلي ذلك وحدكِ، لكن تذكري أن الله معكِ وسيعينكِ، تذكري أن تطلبي مساعدة الأهل والأصدقاء. تذكري أنكِ تستحقين الكثير وتساوين الكثير، فلا تدعي عيونهم ونظراتهم القاصرة تراكِ بأقل من ذلك.

ها أنتِ تكبرين يا عزيزتي وفي كل يومِ تتعلمين، ها أنتِ تحاولين أن تكوني أفضل، وأن تجعلي من حولكِ أفضل كذلك، ها أنتِ برعاية الله وعنايته. لا يفترض بكِ أن تدركي كل شيء من الآن، لا بأس إن زللتِ كثيرًا، لا بأس إن لم تصلي بر الأمان، فهي الحياة هكذا، مغامرة ورحلة، سنسقط وننهض ونستمر بالمسير، وما دمتِ في طريق الله فلا بأس، حتى لو حيدتِ عنه قليلًا يمكنكِ دومًا أن تعودي.

أرجوكِ لا تضغطي على نفسكِ لتكوني بخير، ولا تخافي، كل شيء سيكون على ما يرام، كل شيء بالنهاية سيكون جيدًا، كل أمر في النهاية سيغدو أمرًا يمكن التعايش معه. نعم أنه ألم بداخلكِ، لكنه سيمضي.

يا صديقتي، لن تُهزمي بسهولة، لن تتداعي بمحض كلمات أو مواقف، أنتِ كما عهدتكِ دومًا قوية، ومن قال أن الأقوياء لا يُجرحون أو يزلون؟ حاولي أن تكوني دومًا مع الله، تشقين طريقكِ بمعيته وباسمه، تحاولين لأجله ولما يرضيه. أعلم أن هذا ليس سهلًا، وأن الأمور للأسف لن تكون كذلك دومًا، لكن عليكِ أن تحاولي، وما هذه الحياة سوى محاولات، وما علينا سوى السعي، أما النتائج فهي من الله، والله كريم كريم، عظيم عظيم.

دعي عنكِ مخاوفكِ المستقبلية، فالله وحده من يعلم ماذا في الغيب، دعي عنكِ جروح الماضي وقلق الآتي، كوني أنتِ كما أنتِ اليوم، نوار بكل عيوبها وأخطائها، وحسنها وجميلها. لديكِ أخطاؤك، وكلنا نخطئ، لديكِ مخاوفكِ، وكلنا نخاف، لديك عيوبكِ، ومن فينا كامل؟ من يريد أن تضل في ذهنه صورة زائفة عنكِ فلتبقَ، لا يهم، من يريد أن يقيمكِ فينتقص منك، فليفعل، فهو يقيم ما في ذهنه لا ما هو الواقع.

لديك الكثير لتتعلميه وبعون الله ستتعلمين، لديكِ الكثير لتقدميه وبإذنه تعالى ستفعلين، لا تتساوى خطواتنا في هذه الحياة، لا تتساوى أقدارنا، كل منا شخصٌ مختلف، بطريق مختلف، كل منا إنسان يكتب قصة مختلفة، وحتى لو لم يتذكرك أحد، فيكفي أن الله يذكرك. كوني بخير لأجلي. ]

إلى صديقتي التي طلبت مني كتابة ثرثرة جديدة، أتمنى أن تكون هذه التدوينة تفي بالغرض :) .

17 فكرة على ”طبطبة!

  1. Esraa Bsharat

    اول شي مبسوطة كتير منك ومن تدوينتك
    حلو الواحد يدعم نفسو بنفسو وينصح حالو
    الداعم الذاتي مع الوعي بذلك مهم لدرجة ممكن يطلعك من الحالة اللي بكون مو على طبيعتو فيها
    تدوينتك فعلا لامست قلبي كان فيها أشياء من اخر مكالمة تناقشنا سوا فيها
    رح اصل أذكر جملتك اللي كتبتيها هون بمعنى”مو مهم رأي العالم فيني حتى لو انتقصوا مني “

    Liked by 2 people

  2. كل كلمة في هذه التدوينة شعرت بأن لها وقعاً خاصاً في نفسي :’)
    و بأنها فعلاً طبطبة!
    هذه تدوينتي المفضلة للأبد ،و سأعود لها كثيراً في كل مرة أحتاج لها🙈
    شاكرة لما كتبتِ و شاركتِ

    دمتِ أحلى زهرة دوّار شمس في حياتي💛

    Liked by 1 person

  3. أعتقد أنه من رحمة ولطف ربي أنه ساق إلي هذه التدوينة ليرسل إلي من خلالها رسالة ويريني لطفه وكونه معي.
    قبل يومين كنت أمر ببعض الظروف الصعبة والصراعات مع النفس، دعوت الله كثيراً راجية أن يخفف عني ويريني رحمته.
    سبحان الله لا أعلم مالذي جعلني أتصفح المدونات اليوم! ولا أعلم كيف وصلتُ لتدوينتك بالتحديد من بين المئات ولا أعلم كيف لكلماتك الإحساس بما احتجت إليه!
    بالتأكيد هذا لطف الخبير اللطيف.

    تدوينة جميلة جداً أشكرك على مشاركتنا إياها واستأذنك في نقل الرسالة الى ملاحظات الجوال ليستنى لي قرأتها بين الحين والآخر.

    Liked by 1 person

    1. من رزق ربي لي أن يسر لي كلماتك العذبة الطيبة :)
      بل والله أنا الممتنة أن كان لحروفي هذا الأثر في نفسك، ولله الحمد والفضل.

      وبالتأكيد لا مانع من نقلها بل ويسعدني ذلك، فقط طلب صغير بعد إذنك: أن تدعي لي إذا ما قرأتِها.

      شرفتِ مدونتي الصغيرة🌸

      Liked by 1 person

  4. تنبيه: روابط: هل تهتم بمظهرك؟ – صفحات صغيرة

  5. تنبيه: ماذا أكتب؟ – نواريات

  6. تنبيه: مناجاة! – نواريات

  7. تنبيه: سؤال وجواب: أنا والتدوين – نواريات

أضف تعليق