ثرثرة (14): أهلًا مجددًا

قبل مدة كنت أعلم ابنة أخي ذات الثلاثة أعوام الحروف الأبجدية، مع محاولة ربط كل حرف منها باسم أحد أفراد العائلة أو الأصدقاء، خلال تلك الفترة كنت أستغل بعض المواقف اليومية للتذكير بأهمية تعلم الحروف والتي ستوصلنا في النهاية لتعلم القراءة والكتابة. واليوم أنا ممتنة لكل من كان سببًا في تعليمي هذه الحروف وما بعدها، حتى أتمكن في النهاية من ممارسة شيء استثنائي مثل الكتابة، فالحمدلله المنان على نعمه التي لا تعد. تتلوها أشواقي الحارة لتلك الصغيرة التي غادرتنا منذ ما بقرب الشهرين إلى بلاد ما وراء البحار.

Ebci4ToWkAIIZnf

على ما يبدو أنني أنهيت كتابة الفقرة الأولى من هذه الثرثرة، والتي آمل أن أتمها كلها لأستطيع نشرها؛ لأنني اشتقت جدًا للتدوين، واشتقت لمجتمع المدونين، وكل ما له صلة بهذا المكان الدافئ. كانت هذه أطول فترة أغيب بها عن عالم المدونات منذ سنوات، فإنني وإن توقفت بضع مرات عن الكتابة والنشر، فأنني لم أتوقف عن المتابعة والقراءة والتعليق من قبل، وأعترف أنني أشعر بفقد مكان عزيز علي.

كان الابتعاد عن المدونات طوعًا واختيارًا، كما الكثير من الأشياء التي تركتها خلال الشهور الماضية، والسبب في ذلك أنني في بداية تشرين الأول/ أكتوبر قررت إقامة “مخيم نفسي” مكثف، بمعنى أنني اعتكفت على نفسي في محاولة لتهذيبها وتزكيتها، وهذا يشمل معرفتها أكثر، واستكشاف مجاهيلها، وتجاوز مخاوفها، ومحاولة إصلاح عيوبها، وكل هذا بمعية الإله الذي أبتغي من وراء مخيمي هذا أن أزداد قربًا وأنسًا به.

قررت أن يستمر الأمر لنهاية العام الماضي، بما يعني 3 أشهر كاملة، ثم امتد الأمر شهرًا آخر، والآن لا أقول أنه انتهى، فهو طريق طويل مستمر، لكنني أعود لنشاطاتي بعد استغنيت كليًا عن بعضها، وأدخلت الآخر. خلال تلك الفترة كان التدوين والمدونات مما ابتعدت عنه، وحتى آخر تدوينتين نشرتا هنا كانتا قد كتبتا سابقًا أصلًا. وإن شاء الله ربما خصصت تدوينات قادمة للحديث عن مخيمي النفسي هذا وما الذي قمت به خلاله، والنتائج التي خرجت بها منه، لكن بالمختصر أقول: أنني خرجت بأفضل مما كنت أريد أو أتوقع، لأن رزق الله الكريم عظيم وواسع، وفضله عميم، والحمدلله حمدًا كثيرًا طيبًا.

إذن أستطيع القول أنني عدت شخصًا أفضل إن شاء الله 😊، وبهذه المناسبة كنت أود تغيير قالب المدونة، لكنني وجدت الحالي جميلًا ويفي بالغرض، فاكتفيتُ بتغيير المربع الجانبي التعريفي الخاص بي.

periode-4-2018-web-mandarijnen-jpg

تشكّل لدي منذ الصغر ارتباط حميم بالطبيعة من حولي، وباتت مخلوقات الله المختلفة في هذا الكون أكثر من مجرد أشياء بدهية الوجود لا تفاعل حقيقي بيني وبينها. ومن ضمن تلك المخلوقات كان القمر، بل ربما كان من أوائلها، ولي في طفولتي مع القمر حكايا وتساؤلات عديدة، حول تغير شكله، وسبب سيره معنا كلما تحركنا. وهناك مزاحات إخوتي الطريفة المستغلة حداثة سني بأنني قد أستطيع لمس القمر إن وصلت لذاك الجبل البعيد.

وكبرت وبقي ذاك الودّ الأصيل، ولم يزاحمه حتى افتناني بتلك الشمس البهيجة. عرفت بعدها أن الناس تربط القمر بأفكار أخرى تأخذ طابع الرومانسية، وكغيرها من تلك الأفكار فلم تلقَ أدنى قبول في نفسي، بل وكرهت ربطها بذاك المخلوق الآسر. أما عندما أزور قريتنا الصغيرة، يكون للقمر حينها حضور خاص، فمع الصفاء الأكبر للسماء هناك لخلوها من زحام المدن، تظهر النجوم بشكل أوضح، يتوسطها ذاك القمر الجميل، وفي كل ليلة أثناء عودتنا من زياراتنا، ألاحظ تغير أطواره يومًا بعد يوم، مما ينسج لحظة خاصة مشتركة لا يدركها سوانا 😊.

في الشهور الأخيرة ولعدة أسباب بات للقمر مكانة أكبر في نفسي، ومرت بي عدة مواقف بصحبته، فأذكر في إحدى ليالي تشرين الأول أنني كنت أنام في غرفة غير غرفتي، وكان يمر عبر شق الستارة ضوء قوي، تساءلت وأنا أتقلب: من أي منزل يصدر مثل هذا الضوء؟ ثم فتحت الستارة، لأتفاجأ ببدر بهيّ ذو ضوء ساطع يتوسط السماء كان هو سبب هذا النور، ابتسمت حينها كثيرًا، وسعدت أنني استطعت رؤية نور القمر من مكاني ذاك، وشعرت كما لو أن القمر كان يشاكسني بنوره لألتفت إليه، وأنا ناكرة الجميل التي كنت غير مكترثة به بل وأحاول التقلب لتجنب ضوءه! طبعًا علمت بعد ذلك أن هذا ما يسمى ب”قمر الحصادين” وهو يمتاز بنوره الساطع.

5df985bf-7032-4098-aefa-79e89650e4d7

من وقتها أصبحت اهتم لمراقبة القمر أكثر، وكلما خرجت من المنزل تتجه عيناي بتلقائية للسماء بحثًا عنه، حتى اقترن ببعض أحاديثي لمن حولي أيضًا، وبالطبع بابنة أخي الصغيرة التي أصبحت شريكتي في هذا البحث وذكره كلما شاهدته. ومن المواقف أيضًا أنني في إحدى الأيام ذهبت لزيارة صديقتي في محافظة أخرى، كنتُ أشعر كما لو أنني في منزلي فعلًا رغم أنها زيارتي الأولى لها، وبعد حلول المساء جلسنا في ساحة في الخارج، فكان أول ما طالعته عيناي القمر في السماء، حينها انتابني شعور حميم، وكأن شيئًا من منزلنا أصبح هنا، فزدت سعادة وانشراحًا فوق سعادتي.

بعدها بوقت قصير حل يوم المولد النبوي، ولا يمكنني وصف مدى بهجتي وسروري في يومي ذاك، عندما اتجهنا للخارج بدأت مع ابنة أخي عادتنا في البحث عن القمر، لكننا لم نجده؛ لاختبائه خلف المباني، حتى أننا استعنا بتطبيق يحدد مواقع النجوم والأجرام لنعرف موقعه. ومضت ساعات تلك الليلة، حتى حلّ وقت استطعنا به رؤية ذاك البدر المنير متوسطًا السماء، كوجهه المستنير عليه الصلاة والسلام حين يُسر. فكان خير خاتمة ليوم سعيد.

وكم مضت من ليالِ وجدت فيها ذاك القمر الأنيس والصاحب، وكم من ليالِ أطل عليّ فيها فوجدني ساكنة وحيدة في الظلام تلفني معية الله عزوجل، فيأتي ليغمرني بمزيد من الأمان. الحمدلله على نعمه وفضله، سبحانه خالق ومدبر كل شيء، الحمد له أن وهبنا نعمة الاستئناس بالمخلوقات من حولنا، الحمدلله.

القمر

105290736_2661065367483936_6416753643902039483_o

توصيات

بسبب طول الغياب فاليوم فمعي توصيتان😁

التوصية الأولى تطبيق للأجهزة الذكية باسم “ختمة”، وهو تطبيق يعين على تقسيم وردك من القرآن الكريم بحسب المدة التي ستختم بها، أو مقدار ما تقرأه منه، وبهذه الطريقة يساعدك في تتبع استمرار قراءتك. يتوفر في التطبيق مصحف وبعض الميزات أخرى مثل الأذكار، وتنبيهات القراءة.
Android, iOS

التوصية الثانية من فريق أراسيل الدعوي، والذي يقوم بمجهود عظيم في مختلف المواسم، وعلى جميع المنصات، وهي عبارة عن كتيبين صغيرين أحببتهما من تصميم الفريق: أسرار الفاتحة و ومضات من حياة إمام الأنبياء.

حسنًا يبدو أنني فعلتها وأنهيت هذه الثرثرة، وسأقوم بنشرها رغم محرر الوورد بريس البغيض :( فأهلًا بالمدونات مجددًا 😊
ولا تنسوا الاستمرار في #مقاطعة_المنتجات_الفرنسية.

*أهدي هذه التدوينة إلى شجرة الليمون التي تكبر في قلبي، عسى يومًا أن تزهر.

8 أفكار على ”ثرثرة (14): أهلًا مجددًا

  1. Raghad Altoukhi

    يومي الصعب انت بلسمه يا شجرة الليمون.. بتمنى تيجي تشوفي القمر بمكه.. جماله لا يوصف وستجدينه اقرب للارض واسطع.. بعد ان لاحظت بنفسي هذا وتشكيكي بما ارى. ان القمر قمر في كل البلدان.. الا اني وجدت حديثا للسيده عائشه تقول فيه (‏”لولا الهجرةُ لسكنتُ مكة،
    فإني لم أرَ السماء بمكان أقربَ إلى الأرضِ منها بمكة،
    ولم يطمئنَّ قلبي ببلد قطُّ ما اطمأنَّ بمكة،
    ولم أرَ القمر بمكانٍ أحسنَ منه بمكة” 💛!)

    Liked by 2 people

    1. حبوبتي رغد، تسعدني رؤية اسمك جدًا🧡
      سبحان الله، كتب الله لنا اللقاء، وزيارة مكة المباركة، ورؤية القمر :)
      شاكرة جدًا مرورك وتعليقك❤

      Liked by 1 person

  2. تنبيه: مُتع الحياة الخالصة - مدونة م.طارق الموصللي

  3. Esraa Bsharat

    اخيرًا نور اسمك من جديد
    اهلا اهلا حبوبه 💝
    تدوينتك ذكرتني ب شقيري لما عمل خلوه ليتخلص من “كلاكيع”
    حبيت طريقتك بتعليم الحروف لقيت شي حلو مع ابني ل اعلموا بنفس الطريقه
    واشتقنا لتدويناتك

    Liked by 2 people

اترك رداً على طارق ناصر إلغاء الرد