ثرثرة (9) : ديسمبر

أخبر نفسي أن هذا المساء سوف يكون خاصًا بالكتابة، وهذه الفكرة تملأني بالسعادة وأيضًا الحيرة، فأنا أحب هذه الأمسيات الكتابية؛ التي تجعلني أستغرق ساعات بها دون أن أدرك كيف يمضي الوقت. وأذكر أنني قبل فترة نسيت نفسي وأنا جالسة مطولًا على المكتب، ولم أشعر إلا بعد الانتهاء أنني سببت لجسمي الخدر وبعض آلام الظهر، (هذه المرة سأحاول أن آخذ استراحات). لكن من ناحية أخرى تشعرني بالحيرة لأنني حتى هذه اللحظة لا زلت لا أعلم عما سوف أكتب، لكنني أريد الكتابة كثيرًا، واخترت أن أجرب حظي.

لاحظت قريبًا أنني أنادي الشهر الأخير من العام ب”ديسمبر” وهذا يخالف عادتي في تفضيل أسماء الشهور بالسريانية (آذار، تموز، آب..)، لا أعلم ربما لأن لفظ “كانون” يتكرر في شهرين، وأجده طويلًا نسبيًا. بكل حال أيًا كان اسم هذا الشهر فأنا أحبه، وهو من الشهور المفضلة بالنسبة لي، حتى لو كان الشهر الذي يبدأ به البرد والشتاء. أشعر به يشابه يوم الخميس السعيد، وبأنه شهر الاحتفال بما مضى من شهور، وبكل ما فعلتُه هذا العام، وبكل تلك اللحظات الثمينة التي مرت به، كأنه شهر المكافأة على كل ما مضى. كما أنني أستطيع الآن تذكر الكثير من المناسبات والأحداث السعيدة التي وقعت خلال هذا الشهر على مدار السنين 😀.

51246723_391431491667713_2481612771340475464_n

ما يجعلني سعيدة في هذه الأيام الباردة الرتيبة، هو النظر إلى أبي وأمي بعين تقدر أنهما بصحة وعافية، وبأنني قادرة على رؤية محياهما كل صباح وسماع صوتهما الحنون أو الغاضب. هو تواجد عائلة أخي الذين يحتضنهم منزلنا هذا العام، فيزيدونه دفئًا وأنسًا، وتزيد نشاطات هذا المنزل فيصبح لازمًا إعداد ثلاث وجبات طعام يومية، وتوفير مكان للدراسة، عدا عن كل تلك الأغراض والألعاب التي تحشر نفسها في كل زواية.

هو تلك الفقرة القصيرة كل يوم بعد صلاة العشاء التي يزور بها أحد أخوتي غرفتي لنحل معًا مراحل لعبة تعتمد الذكاء اللغوي. هو ذاك الوقت الذي أقضيه في دراسة مادة أحد الدورات باشتياق لمثل هذه الأوقات.

هي مكالمات الأصدقاء التي تأتيني من أقطار متنوعة وبحالات مختلفة، فتحدثني بتول عن مغامراتها في اليونان، وتسرد إيناس فصول حكاياتها التي لا تنتهي، تتحدث تلك عن مشاغبات أبنائِها التي أتعبتها، والأخرى عن الصعوبات التي تواجهها بالعيش وحيدة، عن الامتحانات والأيام والشهور مع تسنيم ونسرين، وذكريات الجامعة وأيامها مع صديقات العمر. هو فضل الله علينا ببيت آمن وسرير دافئ، هو اجتماع الأهل، وأحضان الأطفال، والمواقف الطريفة، وبعض العزلة المحببة.

beautiful-bloom-blooming-2546925

في الحقيقة هناك بعض الشجن الذي يسكن نفسي ولا أجد طريقة أفضل من البوح به هنا. يحزنني حال صديقتي العزيزة الغالية، فالأمور لا تكاد تستقر معها منذ فترة طويلة، فأجدها يومًا في المشفى جراء مشكلة غير بسيطة حدثت لها، ويومًا أخر تخبرني بأن المرض الخبيث قرر أن يزور جسد أبيها، ثم تحمل فيتعبها الحمل كثيرًا، تستمر حالة أبيها بالتداعي، عدا عن ما يعتري أمها من أوجاع، تستمر في هذه الحال أيام طوال، غير ما لا أعرفه أنا، حتى تلد بالسلامة لكن قبل أيام قليلة من وفاة أبيها. تأملت أن تصبح الأمور أفضل، لكنها أخبرتني البارحة عن عارض صحي غريب يصيبها ويضطرها لزيارة المشفى، في الحقيقة لم أستطع تمالك دمعي ولا أعتقد أنني سأفعل الآن، أدرك تمامًا أنها ابتلاءات من الله، وتدرك هي ذلك بشكل أفضل، رغم ذلك يصيبني الحزن الشديد على حال صديقتي، لم أخبرها بذل، وفقط أستمر بالقول لها أنني أقدر كم تعاني وأنها فعلًا تحتمل الكثير، أنني أدعو لها وعائلتها دومًا، وأن الأمور يومًا ما ستصبح أفضل.

صديقتي التي شاركتني ذكريات لا تنسى، حتى أصبحت تناديني “صديقة الذكريات السعيدة”، لا أعلم حقًا إن كنتُ لا زلت للآن صديقة جيدة، إن كنت أقف بجوارك كما يجب، أو حتى نصف أو ربع ما يجب، لا أعلم إن كنتِ تدركين حجم الحب الذي في قلبي لكِ، والذي حتى لو غاب عن ذهني قليلًا فلا زال في ارتعاشتي ودمعتي كلما حدثتني بأخباركِ، وفي تلك الأيام التي أشعر بها بمزاج سيئ تمامًا لا أعلم له سببًا حتى يتضح بعد ذلك أن شيئًا غير جيد يحدث معكِ. ولا أعلم إن كانت رسائلي الطويلة التي أرسلها لك ذات صباح أو مساء أعبر فيها عما في داخلي تخبرك كم أشتاق لكِ. لكنني ممتنة لأنكِ لا زلتِ تطمأنيني عليكِ، لا زلتِ تعبرين لي عن بعض ضعفك، لا زلتِ ترسلين أحيانًا صور أطفالك لعلمك كم أرى فيهم منكِ. سامحيني إن لم أكن ذات عون، سامحيني إن لم أخفف عنكِ، لكن كوني بخير دومًا صديقتي.

3e8011490f5dd61875b65cf531b3fd0b

توصيات

توصية هذا اليوم عبارة عن سلسلة دروس للشيخ أحمد السيد، بعنوان “أعمال القلوب وأمراضها وتزكية النفس“، شاهدت هذه المادة خلال شهر رمضان هذا العام وكانت من أجمل السلاسل التي تابعتها، وأنتابتني كمية سعادة كبيرة خلالها. تستحق المشاهدة، بل وإعادة المشاهدة كذلك.

 كانت هذه ثرثرتي لهذا المساء، كانت أمسية جيدة، أهنئ نفسي لأنني تمكنت من الكتابة، ولأنني أخذت فترات استراحة خلالها😁، كما وأشكر صديقتي التي أرسلت لي قبل دقائق من بداية كتابتي تحثني على كتابة ثرثرة جديدة.

دمتم بسعادة!

11 فكرة على ”ثرثرة (9) : ديسمبر

  1. :’)
    أحزنني حال صديقتك، شافاها الله و عافاها، و زادها صبراً و قوة ❤️

    شكراً نَوَار على هذه المشاعر الصادقة و على هذا البوح الطيّب الذي يلامس القلب❤️

    Liked by 1 person

  2. تنبيه: روابط ديسمبر: صخب تقني – صفحات صغيرة

  3. خفض التوقعات ميزة مهمة تجعل الشخص يشكر الله على كل النعم، كما يقول الله تعالى:
    وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ
    أما من يرفع سقف توقعاته فهو لن يسعد أبداً.
    و نصيحتي أن لا تحزني كثيراً على ما يلم بك أو بأقربائك أو صديقاتك فإن الله ألطف بعباده منك ومنا، كذلك فإن الحياة لا تقسو على أحد، هذا من تصاريف الله ومن قدر الله يجب أن نرضى به ولا نقول إلا ما يُرضي الله، وهذا حسب نظرتي يمكن أن تصيب أو تخطيء

    Liked by 1 person

  4. Esraa Bsharat

    ثرثرة دافئة
    انخفاض مستوى التوقعات درس ممتاز بتعلمنا اياه الحياة ولا ممكن ينسى.
    أحببت شعورك وقلبك الوفي لصديقتك عافاها الله.
    الدروس اللي بتوصيات هيك يوم رح أحضرهم

    Liked by 1 person

اترك رداً على nawartaha إلغاء الرد